المريض بقلم . . مبارك الحمود  Trailer1


-الأحد 13/4-

أنا سراب..
-صباحا-
الساعة 7:13

شربت فنجان الحليب
مجبرا, رغم الاتساخ المقرف الذي بدا لي على حوافه, فأمي ستغضب مني كثيرا إن
لم أشربه, فأنا أرى عينيها ترقبني بعصبية, لم تصدقني كما غيرها حينما قلت
لها أنني مريض بمرض خطير, فألم معدتي كل يوم يزداد, إنه يتمدد داخلي.. إني
أشعر به!.

-السبت 12/4-

ذهبت أنا و أخي
لعدة مستشفيات لعمل فحوصات, كلها تزعم عدم وجود أي علةٍ بي, لا يريدون
إرعابي أو تخويفي من حالتي الميؤس منها, رأيت كل ذلك بأعين الأطباء, حتى أن
أطباء أحد المستشفيات تناقشوا فيما بينهم و ممرضاتهم لمدةٍ طويلة, ثم
توجهوا إلي, و أنا أسائلهم بإصرار أن يقولوا ما بي.. صرخت في وجوههم ولكن
لا فائدة, أخبرتهم بأني طالب سابق في كلية الطب, و ليسو ا مضطرين لمعاملتي
كأي مريض عادي, دخلت في نقاش عقيم مع أخي في ذلك, و لم أكن أعرف أنه يعرف!.

-الاثنين 6/12-

يبدو أني قضيته في النوم..
-الثلاثاء7/12 -
هناك حبة حمراء على
معدتي, تبدو كعين طافية, إما أنها من مرضي أو من الماء الذي أغتسل منه..
ابتعت الكثير من كراتين المياه المعبأة من الدكان للاغتسال منها, في هذه
الأيام تضطر أن لا تثق بأحد !
-بعد أسبوع- العيون الطافية
تزيد, و يخرج من أحدها الصديد, أخبرت أمي و أريتها, لكنها لم تهتم, و أخي و
أصدقائي لم يبالوا, إنهم يعرفون و لا ينوون إخباري عما بي, لذلك لم أعد
أرهم كما السابق, أرادوا أن يتعودوا على فقدي قبل أن يحين الوقت !

-الشهور تمضي و حالتي تزداد سوءا-
قابلته صدفةً, في
جانب الطريق, و يا لحظي السعيد فهي من اللحظات القليلة التي أخرج فيها من
البيت, و كان وقتها يوما مشرقا و جميلا على غير العادة, فقد سبقته أيام
مليئة بكآبة سوداء كريهة منتشرة كزيوت غليظة لزجة في كل مكان.. لاحظ توعكي,
وارتدائي قناعا على أنفي, سلم علي بحرارة, شعرت معها بطيبة قلبه, فعرفني
بنفسه, و لحظي الأسعد فقد كان طبيبا.. لم يمانع بأن يفحصني, و حدد لي موعدا
-مساءاً-
بعد فحصه لي هدأ من روعي, وقال لي و ابتسامة جميلة على وجهه, أن ما من داع للخوف, أخذت منه بعض الوصفات, و أمرني بالمداومة على تناولها.
-فيما بعد-
شعرت بصحتي تعود لي
بعض الشيء, و معها اطمئناني و سعادتي, حتى أهلي و رفقتي استغربوا ذلك, لم
أعد أشتكي كما السابق, أصبحت أعاود زيارته مرات و مرات في الشهر, زادت و
أضحت عدة أيام في الأسبوع, ومعها الأدوية تزيد.. مكومة في درج مكتبي.. لقد
كان كريما.. أصبح صديقا لي و أخا, أشكو له بكل خلجاتي و بصدق, و أعبر له عن
ما يؤلمني, كان يسمع لي بدون أن يقطع كلامي, وبدون أن أشعر منه ذرةً من
تبرم, لقد بحت له بكل شيء, بأسراري جميعا, كما لم أبح لأحد من قبل.
-مضت شهور-
المرض يهرب موليا عن جسدي..

- عصرا في أحد الأيام من تلك الشهور-

أخبرت أخي عنه, و
عن مهارته العجيبة, و لكنه لم يقابله بسبب انشغال الطبيب في أغلب الأوقات و
انشغال أخي في أوقات أخرى, و ذلك ما جعل أخي بسذاجة غريبة يشك بوجوده
أصلا, و يخبرني بأنه من خيالي رغم وضوح تحسن حالتي التي لم تكن مقنعةً بما
فيه الكفاية لأخي.

-بعدها بفترة-
أنا سراب..-في نفس الوقت-
فاجأني يوما عندما
فحصني وقال لي أنه توقع أن مرضي ذهب بلا عودة, ولكنه يبدو أنه عاوده
الاشتياق لي, و لكن هذه المرة بقوة, و يجب عليه استئصاله, إنه يرتكز في
الكبد, يلزمني المبيت في عيادته, حتى يكمل الفحوصات تجهيزا للعملية, أمرني
بعدم إخبار أحد, فهو واثق بأنها ستتم على أكمل وجه, فهو ماهر بعمل عمليات
كهذه, فهي تخصصه.. لم يطالبني بالمال, لقد كان رقيقا جدا معي, رأيت الدموع
تطفح من عينيه, قلت له: (أن أموت على يديك هو سعادتي, فكم من إنسان مات على
يدي عدوه, آخر وجه سأراه وجه صديق, وأي سعادة تعادل هذه السعادة, أنا هنا
لا أموت وحيدا, و إن عشت سأرى أول وجه وجهك, و عندها سأعرف أن هذه الحياة
تستحق العيش.

أخبرت أهلي بأني
مسافر لعمل, ورغم استغرابهم و ريبتهم, ومحاولة أمي أن يرافقني أخي, إلا أني
أصررت على ذلك, و ذهبت وحيدا, و لم أهتم أن أخي كان يراقبني, فقد أردته أن
يعرف أنني أذهب لعيادة محترمة, و أنا متأكد بأنه سيمل من انتظاري و
سيغادر, و خصوصا أني أخبرت صديقي الطبيب بأن يصرفه إن أتى, و يعلمه بكل شيء
ليطمئن, و أن يوصيه بأن لا يخبر أمي.


-أسطورة طيب-

لقد كان شخصية
عجيبة, لزمني ساعات طويلة في المستشفى الذي اختاره بنفسه, و كأن ليس لديه
عيادة أو مرضى غيري, كنت أشعر بالخجل عندما استيقظ و أجده أمامي بعينين
مختطتين بالسواد من السهر, و كنت أشعر بالإحراج أكثر عندما أتألم و أراه
أمامي يتألم معي حتى يعمل اللازم ليخف توجعي, فأحاول مقاتلا كظم ألمي.

-بقي على العملية يوم-
.....
-يوم العملية-

يدخل علي وحيدا, يربت على كتفي و يخدرني.. ابتسمت بوجهه, تغمرني طمأنينة و ثقة, أشعر بوخزة صغيرة, الظلام حولي يخيم.

-بعد العملية-

لم أستيقظ, فبكاء أخي و أصدقائي حولي يخبرني بذلك, إنهم ينظرون لبركة الدماء الداكنة بجانبي , و يدي تمتد بسكين إلى خاصرتى